الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وعن ربيعة: الغرة لأم الجنين وحدها، وذلك خلاف قول الجماعة. (فان قلت): على من تجب الرقبة والدية؟ قلت: على القاتل إلا أن الرقبة في ماله، والدية تتحملها عنه العاقلة، فإن لم تكن له عاقلة فهي في بيت المال، فإن لم يكن ففي ماله {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} إلا أن يتصدقوا عليه بالدية ومعناه العفو، كقوله: {إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ} ونحوه {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ} وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «كل معروف صدقة»، وقرأ أبىّ: إلا أن يتصدقوا. فإن قلت: بم تعلق أن يصدقوا، وما محله؟ قلت: تعلق بعليه، أو بمسلمة، كأنه قيل: وتجب عليه الدية أو يسلمها، إلا حين يتصدقون عليه. ومحلها النصب على الظرف بتقدير حذف الزمان، كقولهم: اجلس ما دام زيد جالسا.ويجوز أن يكون حالا من أهله بمعنى إلا متصدقين {مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} من قوم كفار أهل حرب وذلك نحو رجل أسلم في قومه الكفار وهو بين أظهرهم لم يفارقهم، فعلى قاتله الكفارة إذا قتله خطأ وليس على عاقلته لأهله شيء. لأنهم كفار محاربون. وقيل: كان الرجل يسلم ثم يأتى قومه وهم مشركون فيغزوهم جيش المسلمين، فيقتل فيهم خطأ لأنهم يظنونه كافرًا مثلهم {وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ} كفرة لهم ذمة كالمشركين الذين عاهدوا المسلمين وأهل الذمة من الكتابيين، فحكمه حكم مسلم من مسلمين {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ} رقبة، بمعنى لم يملكها ولا ما يتوصل به إليها فعليه {فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ} قبولا من اللَّه ورحمة منه، من تاب اللَّه عليه إذا قبل توبته يعنى شرع ذلك توبة منه، أو نقلكم من الرقبة إلى الصوم توبة منه. هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد أمر عظيم وخطب غليظ. ومن ثم روى عن ابن عباس ما روى من أن توبة قاتل المؤمن عمدًا غير مقبولة. وعن سفيان: كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا: لا توبة له، وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة اللَّه في التغليظ والتشديد، وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة. وناهيك بمحو الشرك دليلا. وفي الحديث: «لزوال الدنيا أهون على اللَّه من قتل امرئ مسلم». وفيه «لو أن رجلا قتل بالمشرق وآخر رضى بالمغرب لأشرك في دمه». وفيه: «إن هذا الإنسان بنيان اللَّه. ملعون من هدم بنيانه». وفيه: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة اللَّه». والعجب من قوم يقرؤن هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة، وقول ابن عباس بمنع التوبة.ثم لا تدعهم أشعبيتهم وطماعيتهم الفارغة واتباعهم هواهم وما يخيل إليهم مناهم، أن يطمعوا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة، أفلا يتدبرون القرآن، أم على قلوب أقفالها؟ ثم ذكر اللَّه سبحانه وتعالى التوبة في قتل الخطأ، لما عسى يقع من نوع تفريط فيما يجب من الاحتياط والتحفظ فيه حسم للأطماع وأى حسم، ولكن لا حياة لمن تنادى. فإن قلت: هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: ما أبين الدليل وهو تناول قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ} أي قاتل كان، من مسلم أو كافر، تائب أو غير تائب، إلا أن التائب أخرجه الدليل. فمن ادعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله.
.[سورة النساء: آية 94]: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (94)}{فَتَبَيَّنُوا} وقرئ: فتثبتوا، وهما من التفعل بمعنى الاستفعال- أي اطلبوا بيان الأمر وثباته ولا تتهوكوا فيه من غير روية. وقرئ: السلم. والسلام وهما الاستسلام. وقيل: الإسلام. وقيل: التسليم الذي هو تحية أهل الإسلام {لَسْتَ مُؤْمِنًا} وقرئ {مؤمنا} بفتح الميم من آمنه، أي لا نؤمنك، وأصله أن مرادس بن نهيك رجلا من أهل فدك أسلم ولم يسلم من قومه غيره، فغزتهم سرية لرسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كان عليها غالب بن فضالة الليثي، فهربوا وبقي مرداس لثقته بإسلامه، فلما رأى الخيل ألجأ غنمه إلى عاقول من الجبل وصعد، فلما تلاحقوا وكبروا كبر ونزل وقال: لا إله إلا اللَّه محمد رسول اللَّه، السلام عليكم، فقتله أسامة بن زيد واستاق غنمه، فأخبروا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فوجد وجدًا شديدا وقال: قتلتموه إرادة ما معه، ثم قرأ الآية على أسامة، فقال: يا رسول اللَّه استغفر لي. قال فكيف بلا إلا إلا اللَّه، قال أسامة فما زال يعيدها حتى وددت أن لم أكن أسلمت إلا يومئذ، ثم استغفر لي وقال: أعتق رقبة {تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا} تطلبون الغنيمة التي هي حطام سريع النفاد، فهو الذي يدعوكم إلى ترك التثبت وقلة البحث عن حال من تقتلونه {فَعِنْدَ اللَّهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ} يغنمكموها تغنيكم عن قتل رجل يظهر الإسلام ويتعوّذ به من التعرض له لتأخذوا ماله {كَذلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ} أول ما دخلتم في الإسلام سمعت من أفواهكم كلمة الشهادة، فحصنت دماءكم وأموالكم من غير انتظار الاطلاع على مواطأة قلوبكم لألسنتكم {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ} بالاستقامة والاشتهار بالإيمان والتقدم، وإن صرتم أعلاما فعليكم أن تفعلوا بالداخلين في الإسلام كما فعل بكم، وأن تعتبروا ظاهر الإسلام في المكافة، ولا تقولوا إن تهليل هذا لاتقاء القتل لا لصدق النية، فتجعلوه سلما إلى استباحة دمه وماله وقد حرّمهما اللَّه وقوله: {فَتَبَيَّنُوا} تكرير للأمر بالتبين ليؤكد عليهم {إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} فلا تتهافتوا في القتل وكونوا محترزين محتاطين في ذلك..[سورة النساء: الآيات 95- 96]: {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (95) دَرَجاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (96)}{غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} قرئ بالحركات الثلاث، فالرفع صفة للقاعدون، والنصب استثناء منهم أو حال عنهم، والجرّ صفة للمؤمنين. والضرر: المرض، أو العاهة من عمى أو عرج أو زمانة أو نحوها. وعن زيد بن ثابت: كنت إلى جنب رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فغشيته السكينة، فوقعت فخذه على فخذي حتى خشيت أن ترضها، ثم سرى عنه فقال: اكتب فكتبت في كتف {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ} فقال ابن أمّ مكتوم وكان أعمى: يا رسول اللَّه، وكيف بمر لا يستطيع الجهاد من المؤمنين. فغشيته السكينة كذلك، ثم قال: اقرأ يا زيد، فقرأت {لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} فقال غير أولى الضرر. قال زيد: أنزلها اللَّه وحدها، فألحقتها. والذي نفسي بيده لكأنى أنظر إلى ملحقها عند صدع في الكتف.وعن ابن عباس: لا يستوي القاعدون عن بدر والخارجون إليها. وعن مقاتل: إلى تبوك. فإن قلت: معلوم أن القاعد بغير عذر والمجاهد لا يستويان، فما فائدة نفى الاستواء؟ قلت: معناه الإذكار بما بينهما من التفاوت العظيم والبون البعيد، ليأنف القاعد ويترقع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته، ونحوه {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} أريد به التحريك من حمية الجاهل وأنفته ليهاب به إلى التعلم، ولينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجاهِدِينَ} جملة موضحة لما نفى من استواء القاعدين والمجاهدين كأنه قيل: ما لهم لا يستوون، فأجيب بذلك. والمعنى على القاعدين غير أولى الضرر لكون الجملة بيانا للجملة الأولى المتضمنة لهذا الوصف {وَكُلًّا} وكل فريق من القاعدين والمجاهدين {وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى} أي المثوبة الحسنى وهي الجنة وإن كان المجاهدون مفضلين على القاعدين درجة.وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «لقد خلفتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم».وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وكانت أفئدتهم تهوى إلى الجهاد، وبهم ما يمنعهم من المسير من ضرر أو غيره. فإن قلت: قد ذكر اللَّه تعالى مفضلين درجة ومفضلين درجات، فمن هم؟ قلت: أما المفضلون درجة واحدة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء وأما المفضلون درجات فالذين فضلوا على القاعدين الذين أذن لهم في التخلف اكتفاء بغيرهم، لأن الغزو فرض كفاية. فإن قلت: لم نصب {دَرَجَةً} و(أَجْرًا) و(دَرَجاتٍ)؟ قلت: نصب قوله: (دَرَجَةً) لوقوعها موقع المرة من التفضيل، كأنه قيل فضلهم تفضيلة واحدة. ونظيره قولك: ضربه سوطا، بمعنى ضربه ضربة. وأما {أَجْرًا} فقد انتصب بفضل، لأنه في معنى أجرهم أجرا ودرجات، ومغفرة، ورحمة: بدل من أجر. أو يجوز أن ينتصب {دَرَجاتٍ} نصب درجة، كما تقول: ضربه أسواطا بمعنى ضربات، كأنه قيل: وفضله تفضيلات. ونصب {أَجْرًا عَظِيمًا} على أنه حال عن النكرة التي هي درجات مقدمة عليها، وانتصب مغفرة ورحمة بإضمار فعلهما بمعنى: وغفر لهم ورحمهم، مغفرة ورحمة..[سورة النساء: الآيات 97- 99]: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيرًا (97) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99)}{تَوَفَّاهُمُ} يجوز أن يكون ماضيا كقراءة من قرأ: توفتهم. ومضارعا بمعنى تتوفاهم، كقراءة من قرأ: توفاهم، على مضارع وفيت، بمعنى أن اللَّه يوفى الملائكة أنفسهم فيتوفونها، أي يمكنهم من استيفائها فيستوفونها {ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ} في حال ظلمهم أنفسهم قالُوا قال الملائكة للمتوفين: {فِيمَ كُنْتُمْ} في أي شيء كنتم من أمر دينكم. وهم ناس من أهل مكة أسلموا ولم يهاجروا حين كانت الهجرة فريضة. فإن قلت: كيف صح وقوع قوله: {كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ} جوابًا عن قولهم: {فِيمَ كُنْتُمْ}؟ وكان حق الجواب أن يقولوا: كنا في كذا أو لم نكن في شيء؟ قلت: معنى {فِيمَ كُنْتُمْ} للتوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين، حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا، فقالوا: كنا مستضعفين اعتذارا مما وبخوا به واعتلالا بالاستضعاف، وأنهم لم يتمكنوا من الهجرة حتى يكونوا في شيء، فبكتتهم الملائكة بقولهم: {أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها} أرادوا أنكم كنتم قادرين على الخروج من مكة إلى بعض البلاد التي لا تمنعون فيها من إظهار دينكم ومن الهجرة إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم كما فعل المهاجرون إلى أرض الحبشة. وهذا دليل على أن الرجل إذا كان في بلد لا يتمكن فيه من إقامة أمر دينه كما يجب، لبعض الأسباب والعوائق عن إقامة الدين لا تنحصر، أو علم أنه في غير بلده أقوم بحق اللَّه وأدوم على العبادة- حقت عليه المهاجرة. وعن النبي صلى اللَّه عليه وسلم: «من فرّ بدينه من أرض إلى أرض وإن كان شبرا من الأرض استوجبت له الجنة، وكان رفيق أبيه إبراهيم ونبيه محمد عليهما الصلاة والسلام». اللهم إن كنت تعلم أن هجرتي إليك لم تكن إلا للفرار بديني فاجعلها سببا في خاتمة الخير ودرك المرجوّ من فضلك والمبتغى من رحمتك وصل جواري لك بعكوفى عند بيتك، بجوارك في دار كرامتك يا واسع المغفرة.ثم استثنى من أهل الوعيد المستضعفين الذين لا يستطيعون حيلة في الخروج لفقرهم وعجزهم ولا معرفة لهم بالمسالك. وروى أنّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بعث بهذه الآية إلى مسلمي مكة، فقال جندب بن ضمرة أو ضمرة بن جندب لبنيه: احملوني، فإنى لست من المستضعفين، وإنى لأهتدى الطريق، واللَّه لا أبيت الليلة بمكة.فحملوه على سرير متوجها إلى المدينة وكان شيخا كبيرًا فمات بالتنعيم. فإن قلت: كيف أدخل الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد، كأنهم كانوا يستحقون الوعيد مع الرجال والنساء لو استطاعوا حيلة واهتدوا سبيلا؟ قلت: الرجال والنساء قد يكونون مستطيعين مهتدين وقد لا يكونون كذلك. وأما الولدان فلا يكونون إلا عاجزين عن ذلك، فلا يتوجه عليهم وعيد لأن سبب خروج الرجال والنساء من جملة أهل الوعيد إنما هو كونهم عاجزين، فإذا كان العجز متمكنا في الولدان لا ينفكون عنه، كانوا خارجين من جملتهم ضرورة. هذا إذا أريد بالولدان الأطفال ويجوز أن يراد المراهقون منهم الذين عقلوا ما يعقل الرجال والنساء فيلحقوا بهم في التكليف. وإن أريد بهم العبيد والإماء البالغون فلا سؤال. فإن قلت: الجملة التي هي {لا يَسْتَطِيعُونَ} ما موقعها؟قلت: هي صفة للمستضعفين أو للرجال والنساء والولدان. وإنما جاز ذلك والجمل نكرات، لأن الموصوف وإن كان فيه حرف التعريف فليس لشيء بعينه، كقوله:فإن قلت: لم قيل: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ} بكلمة الإطماع؟ قلت: للدلالة على أن ترك الهجرة أمر مضيق لا توسعة فيه، حتى أن المضطر البين الاضطرار من حقه أن يقول عسى اللَّه أن يعفو عنى، فكيف بغيره. اهـ. .سؤال وجوابه: فإن قيل: كيف أدخل الولدان في جملة المستثنين من أهل الوعيد، فإن الاستثناء إنما يحسن لو كانوا مستحقين للوعيد على بعض الوجوه؟قلنا: سقوط الوعيد إذا كان بسبب العحز، والعجز تارة يحصل بسبب عدم الأهبة وتارة بسبب الصبا، فلا جرم حسن هذا إذا أُريد بالولدان الأطفال، ولا يجوز أن يراد المراهقون منهم الذين كملت عقولهم لتوجه التكليف عليهم فيما بينهم وبين الله تعالى، وإن أُريد العبيد والإماء البالغون فلا سؤال. اهـ.
|